30 - 06 - 2024

مؤشرات | تمويل أو قروض .. النكبة واحدة

مؤشرات | تمويل أو قروض .. النكبة واحدة

تفتق ذهن المقترضين على تخفيف لفظ قروض عند الإستدانة بلفظ "تمويل"، في محاولة للتغطية على وقع الصدمة من إرتفاع حجم القروض والديون وأعبائها، والتي من شأنها زيادة حد الإستدانة على البلاد، والأجيال القادمة، ليزداد هذا الهمّ والمذلة اللذان أضحيا ليلا ونهارا.

ولكن مهما تغيرت الألفاظ إلا أن المصيبة والنكبة لم تتغير، وهي واحدة في كل الأحوال على المواطن البسيط وحتى غير البسيط، لتزداد مع الأيام فاتورة بل فواتير الدين، وترتفع حصة المواطن من الحجم العام للدين، والذي لم توضح الحكومة طريقًا حتى الأن للحد منه، فالقضية مازالت محل جدل وحوار في الشارع وفي كل المجالس والمؤتمرات، وهذا "الحوار الوطني".

ورغم كثرة النقاش وضرورة وقف هذا النزيف، تسير الحكومة في طريقها لمزيد من الإستدانة، عن طريق ما تسميه بـ"التمويل"، وأحدثها ما تعكف عليه حاليا للحصول على تمويل جديد "قرض" من صندوق النقد الدولي قبل نهاية العام الحالي بقيمة إجمالية تصل إلى 1.3 مليار دولار في إطار برنامج "الصلابة والاستدامة" الذي أطلقه الصندوق الدولي لدعم نحو 70 بلداً حول العالم تعاني ندرة في النقد الأجنبي.

يأتي هذا في وقت طالبت فيه الحكومة من صندوق  النقد إرجاء المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح إلى منتصف سبتمبر المقبل، بالتوزاي مع المراجعة الثانية، على أمل أن تحصل الحكومة على شريحتي القرض البالغ 3 مليارات دولار بقيمة 700 مليون دولار في الشهر المقبل، لتضاف للشريحة الأولى البالغة 350 مليون دولار.

ورغم أن قرض برنامج "الصلابة والاستدامة" المرتقب بفائدة أقل 50% من أسعار الفائدة العالمية، ويمتد سداده على 20 عاما، وبفترة سماح 10 سنوات، إلا أنه في النهاية قرض، وعبء على الأجيال في المستقبل.

وربما أفضل ما توصلت إليه الحكومة مع مسؤولي صندوق النقد هو إرجاء تطبيق سعر صرف مرن أو خفض رابع لقيمة العملة، حتى تتوفر حصيلة دولارية ومن النقد الأجنبي تتيح للبنك المركزي التدخل السريع للحفاظ على توازن الجنيه مقابل العملات الأجنبية، خصوصًا مع بلوغ التضخم السنوي لأسعار المستهلكين 38.2% في يوليو 2023، فأي خفض لقيمة الجنيه يعني مزيدًا من الأعباء على المواطنين وإرتفاعات في السلع والخدمات.

بالرغم من ذلك تبقى قضية الديون الهمّ الأكبر، ولا مفر - من وجهة نظر أطرف عديدة - من التوقف عن مزيد من الإقتراض، بعدما فاقت الديون 113% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا في حد ذاته أمر مزعج للمواطنين، ويصبح الأمر أكثر خطورة أن الجانب الأعظم من الديون هي ديون تمويل تجارية ولم تتجه للإستثمار، بل ووفقا لتقارير البنك المركزي وغيرها من التقارير المالية الدولية، فقد تم توجيه قروض الإستدانة لسد عجز الموازنة وقطاع الخدمات مما يعني أنها ليست لها عوائد إستثمارية، تغطي في المستقبل أي إلتزامات من خدمات الدين.

القضية برمتها المتعلقة بالدين بحاجة إلى وقفة جادة، بعدما تجاوز حجم الدين الخارجي مرحلة خطيرة ولم تتكرر في تاريخ مصر، ليصل إلى أكثر من 165 مليار دولار، مع تقديرات أنه ارتفع بمعدل يصل إلى 615%، أي أكثر من ستة أضعاف بين عامي 2018 و2023.

وفي ذات الوقت ارتفع حجم الدين المحلي لأكثر من الضعف من 2.52 تريليون إلى 4.78 تريليون جنيه بما يعادل 110% خلال نفس الفترة، وهذا يعني أن كل مواطن في مصر له حصة في الدين الخارجي بعشرات الآلاف من الجنيهات.

وإذا كانت الحكومة عاجزة عن اتخاذ ما يلزم بوقف سيل الديون، فقد أعجبني إقتراح تم طرحه في مناقشات المحور الإقتصادي بجلسات الحوار الوطني، بإقرار قانون من البرلمان لوضع سقف للدين العام، واللجوء لإعادة الجدولة، وتبادل الديون، أي أنه قانون يستهدف وضع الحكومة على الطريق الأمثل، ويقيدها، طالما تستسهل الإقتراض.

وعلى الحكومة أن تدرك الخطر أكثر مما تدركه حاليا، بدلا من الدخول في لعبة الألفاظ، ما بين "التمويل  والإقتراض".. فالشعب لا يتحمل مزيدًا من اللعب بحياته، فالحكومات تأتي وتذهب ويبقى الشعب هو من يتحمل العبء وأخطاء حكامه.
---------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | الحكومة الجديدة .. ننتظر تحريكًا لملف مياه النيل





اعلان